إيران غيت وبيجر غيت- أسرار العلاقات الخفية بين الأعداء الظاهرين.
المؤلف: محمد الساعد11.22.2025

ما كادت الحرب العراقية الإيرانية أن تشتعل، حتى وجد قادة الثورة الإيرانية أنفسهم في خضم معضلة عويصة، إذ عمدوا إلى تفكيك المؤسسة العسكرية، وإقصاء قادتها الذين خدموا النظام البهلوي السابق، بل وصل الأمر إلى تصفيتهم وملاحقتهم. علاوة على ذلك، أدت الخطابات الشعبوية الحادة التي تبناها النظام الجديد، والموجهة ضد الغرب، إلى فرض حظر شامل على الأسلحة وقطع الغيار لإيران الثورة من قبل الدول الغربية، مما زاد من أزمة النظام الإيراني المترنح، الذي بات عاجزًا عن توفير قطع الغيار اللازمة لأسلحته المتآكلة في المخازن والمواقع العسكرية، في خضم حرب مصيرية.
لقد كانت تلك الخطة الأمريكية والغربية تهدف إلى التريث والتمهل في التعامل مع النظام الإيراني الجديد، لفهم طبيعته وتقييم أبعاد سياساته، وكذلك لإعادة فرض السيطرة والنفوذ على تصرفاته وقراراته.
وجد النظام الإيراني نفسه في ورطة لا يحسد عليها، فالحرب على الجبهة العراقية مستعرة، والجيش العراقي يتقدم نحو عبدان في منطقة الأحواز، بينما مخازن الأسلحة الإيرانية تتقادم وتتدهور، والقدرة على تشغيلها باتت شبه مستحيلة بسبب نقص الأطقم والكفاءات، بالإضافة إلى عدم توفر قطع الغيار الضرورية.
لذا، كان الحل الأمثل هو فتح قنوات اتصال سرية بعيدًا عن الضجيج الإعلامي المعادي لأمريكا والغرب، مما أفرز لاحقًا ما عرف بـ "فضيحة إيران غيت"، وهو سيناريو يتكرر صداه حتى يومنا هذا.
تجسدت العملية السرية في عملية استخباراتية وتجارية معقدة، شاركت فيها أطراف عدة، هي "إيران - أمريكا - إسرائيل - شركات وأفراد غربيون - وحزب الله في لبنان"، وبموجبها قامت الإدارة الأمريكية ببيع الأسلحة وقطع الغيار لإيران التي كانت في أمس الحاجة إليها، مقابل أن تستخدم إيران نفوذها للإفراج عن مواطنين أمريكيين اختطفتهم ميليشيات شيعية موالية لإيران في لبنان، وعلى رأسها حزب الله.
واليوم، يعيد التاريخ نفسه، ليؤكد أن ما نسمعه عبر مكبرات الصوت وشاشات التلفزيون يختلف تمامًا عن العلاقات السرية الحقيقية، حتى بين الأطراف التي تدعي العداء الظاهر لبعضها البعض.
فضيحة صفقة "بيجر غيت" لا تختلف كثيرًا عن "إيران غيت"، وإن كانت نموذجًا مصغرًا لها، تشارك فيها أطراف مماثلة مثل "إيران - حزب الله - إسرائيل - وأفراد غربيون".
لكنها تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن لا إيران ولا حزب الله لديهما أي تحفظات أو حساسية تجاه شراء التقنيات والأسلحة من إسرائيل مباشرة، أو من خلال وسطاء غربيين يعملون مع إسرائيل، فعدو الحزب وصانعوه في نهاية المطاف ليس تل أبيب، بل العواصم العربية الممتدة من بغداد إلى تطوان.
صحيفة النيويورك تايمز كشفت إثر انفجار آلاف أجهزة البيجر بين أيدي كوادر الحزب، عن مفاجأة مدوية، مفادها أن "حزب الله" هو الزبون الأهم للشركة التي ارتبط اسمها بتفجير أجهزة البيجر، وأن الصفقة هي جزء من سلسلة عقود مبرمة منذ العام 2022، وأن المصنع الحقيقي المورد لأجهزة البيجر يخضع لإشراف الاستخبارات الإسرائيلية.
"حزب الله" يعلم بهذه الحقائق، ويتعامل مع إسرائيل بمنطق المنافسة على اقتسام النفوذ في المنطقة، وليس بمنطق الاستئصال والإبادة كما تروج له آلاته الدعائية، ولذلك يسعى لتزويد نفسه بالتقنيات والأجهزة العسكرية، إما من مصدرها إسرائيل مباشرة أو عبر شركات ووسطاء مرتبطين بها، وهي ذات الطريقة التي يتبعها النظام الإيراني مع أمريكا وإسرائيل منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا.
